في منتصف القرن الرّابع الهجريّ أو نحو ذلك، نهضت بابن خالويه الـهمذانيّ المتوفّى سنة 370هـ، هـمّةٌ عالية، حملته على التّرحال إلى اليمن إلى مدينة ذمار، تاركًا وراءه الأهل والخلّان والدّمن والدّيار، لتطلاب ديوان شعر أبي محمّدٍ، الحسن بن أحمد الهمدانيّ المتوفّى سنة 334هـ، المشهور بلسان اليمن، على بعد ما بينهما من حيث المصر، وقرب ما بينهما من حيث العصر، وقد أدرك ابن خالويه طلبته المنشودة، وأصاب بغيته، ووقف على شعر الهمدانيّ، فأطلّ عليه كما يطلّ المرء على راحة يده، ثمّ جمعه في ستّة أسفارٍ، بعد أن أنفق من عمره باليمن حولين كريتين؛ فما أعظمها من هـمّةٍ، وما أسماها من غاية، على الأين وبعد الشّقّة.
فقد ذكر الخزرجيّ وصفًا دقيقًا لـما خلّف الهمدانيّ من شعرٍ، فقال: «ويقال: إنّه وجد له بعد موته أربعة آلاف شعرٍ، ما بين طويلٍ وقصير، في كلّ فنٍّ. وكان في عصره يسمّى الحائك؛ لفصاحته وحسن شعره. وله ديوان شعرٍ يدخل في ستّة مجلّدات، فلمّا وصل ابن خالويه إلى اليمن أقام في ذمار سنتين، وشرح ديوان الحسن المذكور شرحًا شافيًا، يدخل في عشرة مجلّدات؛ أخبرني الفقيه محمّد بن إبراهيم الصّنعانيّ قال: حكى لي من رآه في ظفار الأشراف في خزانة كتبها؛ والله أعلم».