اضطرني العمل بالكتابة على مدى عشر سنوات إلى المزيد من القراءة والتعلّم والبحث الكثيف، لكنني اكتشفت في أثناء ذلك كله أنني كلما ازددت معرفةً ازددت اندهاشًا بأشياء عادية أتعامل معها وبها كل يوم، وأشعرني ما تعلمت دائمًا بقدر جهلي وحاجتي إلى المزيد من الإجابات عن المزيد والمزيد من الأسئلة. بين هذه الفصول، أحاول أن أنقل إليك تلك الفكرة بصورة عملية، يمكن أن تلاحظها في كل مكان وكل يوم، لا أن تكون مجرد كلمات تمر على عينيك أو أذنيك والسلام، وكأنها كليشيه يُقال في كتب أو حصص العلوم والفلسفة.
.
ستلاحظ خلال مُضيك معي فيه أني كثير الأسئلة، والأسئلة هي أول المعرفة وآخرها، لنسأل مثلًا: هل هذا العالم الذي تراه أمامك هو مجرد وهم؟ هل هذا الكتاب الذي تقرؤه هو ما يبدو عليه حقًّا؟ ماذا عن الزمن، هذا الشيء العجيب الذي نشعر به يمر ولا نراه، ماذا لو كان الزمن مجرد وهم؟ ماذا لو كان طريقة لترتيب الأحداث في هذا الكون؟ ثم ماذا لو قررنا أن نسافر معًا حول العالم، للتعلم عن شعب الشيربا في قمم التبت العالية أو التشيماني في السهول المحيطة بنهر الأمازون، هل رأيت من قبل كيف يتعامل أفراد مستعمرات النمل أو النحل أو أسراب الطيور والأسماك مع بعضهم بعضًا أو مع الهجمات الخطرة؟ هل دلق القهوة خير حقًّا؟ ولما تحدث بعض المصادفات بطريقة غريبة جدًّا؟ ثم، ما الشيء؟ ما الذي يكوّن هاتفك، وملابسك وجسمك، والنجوم والمجرات في الكون الواسع؟ قد تقول إنها جميعًا تتكون من ذرات، لكن الواقع أغرب من أغرب أحلامك، ماذا لو كنا لا نعي الكثير عن أنفسنا؟ لو كانت هناك أشياء تتحكم بنا، لكننا لا ندركها؟ ماذا لو كنا نتوهم المعرفة، أو نتوهم السيطرة؟
.
هذا ليس كتابًا يريد فقط أن يشعرك بقدر جهلك بذاتك، والعالم المحيط بك، والكون الواسع، بل يسمح لك أن تتصالح مع تلك الفكرة!
.
"الطبيعة غريبة بقدر استطاعتها أن تكون كذلك، وهي غريبة بشكل يجعل من القوانين التي تفسرها تبدو مجنونة للدرجة التي لا يمكن تصديقها، ومع ذلك حينما نتتبع نتائج تلك القوانين نجد أنه يمكن فهم كل الظواهر العادية."
~ريتشارد فاينمان