أنا “سعاد عبد الحكيم”، رفيقة يوسف الرَّاوي، لا تستعجلونِي في معرفة قصته، فقبل أن أغادر شقته التي ذهبت إليها متخيلة صباحًا جنسيًّا عاصفًا معه، أخذت أوراقه التي تركها على مكتبه، والتي يبدو أنه انتهى منها قبل موته بقليل. المفاجأة أنها كانت رواية، لم يكتب يوسف رواية من قبل، كان شاعرًا يطارد الصور في الطرقات، وتحاصره المعاني في الأزِقَّة، ويبالغ في الإمساك برقبة الأفكار عندما يكون وحيدًا، وكثيرًا ما كان يوسف وحيدًا، فما الذي دفعه إلى كتابة رواية؟
ربما تكون هذه الرواية هي وصيته التي وضع فيها معاناته ويأسه، وملله وجنونه وجنوحه، وخيالاته التي لم يكن لها حدود، وضع بين سطورها بعضًا من سيرته الشخصية، وكثيرًا من قصته المهنية والأكثر من حيرته وغضبه، ونفاد صبره بسبب ما قابله في الحياة.
رفض يوسف أن نقضي ليلة رأس السنة معًا، متحججًا بأن لديه ما يريد أن ينجزه، كانت هذه الليلة في سنواتنا السابقة ملكنا وحدنا، قررت أن أقاطعه، أن أهجره إلى الأبد، لكن الطفل الذي يسكنه أرَّق منامي وأجبرني على التراجع بعد أن تخيلته يبكي عندما يعرف أنني قطعت كلَّ طريقٍ بيننا، فذهبت إليه لنعوِّضَ في صباحنا ما فاتنا في الليل.. لكنه مات.